ندوة نقاشية حول الفساد والصراع وأولويات المرحلة المقبلة

في اليوم العالمي لمكافحة الفساد:

خبراء يمنيون ودوليون يؤكدون ضرورة إيجاد إرادة سياسية لمكافحة الفساد واستراتيجية تلبي المرحلة

إحياءً لليوم العالمي لمكافحة الفساد، أقامت منظمة برلمانيون يمنيون ضد الفساد (YemenPAC)و مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (SEMC)، اليوم السبت، 9 كانون الأول ديسمبر 2023 ندوة نقاشية حول الفساد والصراع وأولويات المرحلة المقبلة.

الندوة التي عقدت عبر برنامج الاتصال المرئي زوم وحضرها نحو 60 شخصًا من أعضاء البرلمان اليمني ووزراء سابقين وممثلين وممثلات لعدد من الأجهزة الحكومية والمنظمات الدولية والمؤسسات المحلية وصحفيين وناشطين مدنيين في مكافحة الفساد، تناولت عددًا من المحاور ذات الصلة بوضع الفساد في اليمن، وتأثيرات الصراع الدائر على الوضع بما في ذلك الاختلال الحاصل في آليات وهياكل مكافحة الفساد التي تصطدم بتعدد السلطات وانعدام الإرادة السياسية الداعمة لمكافحة الفساد والحد منه.

رئيس منظمة يمن باك البرلماني صخر الوجيه عبّر عن سعادته بانعقاد الندوة، مؤكدًا أن الجميع لا يخفى عليه ما تعيشه بلادنا من أزمات متداخلة ومركبة ساهمت في انتشار الفساد وتغلغله في ظل غياب الدور الرقابي الفعال سواء للسلطة التشريعية أو الأجهزة الرقابية الأخرى.

وأشار الوجيه في حديثه إلى ما أسماه تعطيل مجلس النواب عن قصد والذي لم يعقد سوى مرتين، الأولى في سيئون لانتخاب هيئة جديدة للمجلس، والثانية في عدن أثناء أداء مجلس القيادة الرئاسي اليمين الدستورية، بعدها تم تعطيله تمامًا، عدا بعض الأنشطة الرقابية التي تقوم بها اللجان الخاصة التي تتقصى الحقائق حول بعض القضايا.

وأضاف الوجيه: “انتهت فترة الهيئة العليا لمكافحة الفساد، واللجنة العليا للمناقصات، ولم تصدر قرارات بإعادة تشكيلهما، بينما استمر الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في إصدار تقاريره دون وجود أذان صاغية من المجلس الرئاسي أو الحكومة”.

الفساد والصراع وأولويات المرحلة المقبلة
الفساد والصراع وأولويات المرحلة المقبلة

بعد ذلك انتقل الحديث إلى أركان السبلاني كبير المستشارين الفنيين ومدير المشروع الإقليمي لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في البلدان العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP الذي تمحور حديثه حول آليات الإنفاذ والمتابعة للاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد.

ويرى السبلاني أن موضوع الندوة له مداه وبعده العالمي من حيث العلاقة بين الفساد والصراع، مضيفًا: أنه لا ينبغي حصر منظومات مكافحة الفساد في الأمم المتحدة وحدها فهناك منظومات أخرى معنية بمكافحة الفساد، مؤكدًا في سياق حديثه أن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ليست وحدها بل تتكامل مع مثيلاتها الإقليمية كالاتفاقية العربية أو الإفريقية.

وقال السبلاني في حديثه: هناك امتدادات تبنى عليها منظومة مكافحة الفساد فالمكون الأول في المنظومات الدولية هي هذه المعاهدات، والمكون الثاني هو ما يصدر من توصيات غالبًا يكون لها صفة شبه إلزامية ويبنى عليها أحيانًا عقوبات كالتي تصدر عن منظمات العمل المالي، والمكون الثالث هو قوانين وطنية والتي تسمى قوانين الذراع الطويلة وإن كانت وطنية إلا إن لها أبعادًا دولية وذات قوة وتأثير خارج الحدود، وتأتي بعدها المؤشرات كمكون رابع لأنها تشكل منطلقًا وأساسًا يمكن البناء عليه لاتخاذ قرارات وصياغة عقوبات ذات أبعاد اقتصادية.

من جهته قدم كريم شعبان مدير مكتب المشروعات الدولية الخاصة CIPE في الأردن تشخيصاً لواقع وآليات مكافحة الفساد في اليمن بناء على الدراسة الحديثة التي تم القيام بها في هذا الجانب، وتطرق إلى أهم الفجوات القانونية والدستورية الموجودة والمتمثلة في عدم وجود نصوص دستورية تؤكد على الشفافية بل على العكس هناك قوانين تحد من ذلك كقانون محاكمة شاغلي الوظائف العليا.

وسرد شعبان أسباب تغلغل الفساد والتي تمحورت في وجود مصالح مرتبطة بكبار القادة العسكريين، ومحدودية استقلالية الجهات الرقابية ومكافحة الفساد، إضافة إلى غياب مبادئ الحكم الرشيد، وغياب الشفافية والإفصاح، وعدم حماية المبلغين والشهود، وغياب الكثير من الخبرات والتقنيات المعينة في مكافحة الفساد، كذلك انعدام مؤشرات ومعايير الأداء، وتعطيل الهيئة العليا للمناقصات والمزايدات، ومنظومة الرقابة والمساءلة معطلة بشكل عام، ولم يستثنِ شعبان الصراع، وازدواجية عمل المؤسسات الحكومية من الأسباب التي ساهمت في اتساع رقعة الفساد وتفشيه في اليمن.

إلى ذلك تحدث الدكتور سعد الدين بن طالب وزير التجارة والصناعة الأسبق وعضو في أول هيئة مكافحة فساد تم تشكيلها في اليمن عن العلاقة بين الصراع والأزمات والفساد وآليات مكافحة الفساد في المرحلة القادمة، حيث تمحور حديثه حول المشكلة الراهنة التي تواجهها البلاد والتي يرى بأنها تفتقد لأدنى متطلبات الإرادة السياسية اللازمة لمواجهة الفساد ومكافحته.

وأضاف الخبير الاستراتيجي في مكافحة الفساد الدكتور بن طالب أن اليمن تمتلك بنية قانونية وتشريعية كافية لمجابهة الفساد بما في ذلك الهياكل والمؤسسات اللازمة للقيام بمهمة اجتثاث الفساد ومحاصرته إلا إنها تصطدم بضعف التوجه السياسي من رأس الدولة للقيام بذلك، وهو ما أدى إلى استشراء الفساد في كافة المؤسسات من الأعلى إلى الأدنى، وهي حالة مرثية لم تكن بالحسبان، وفقًا لما قاله.

ويرى الدكتور بن طالب: بأن الحاجة ماسة لتفعيل الإرادة السياسية من أجل إيقاف الفساد المنظم الذي ينخر كافة المؤسسات، ويهدد السلم الاجتماعي ويزيد من سوء وتردي الأوضاع الاقتصادية التي وصلت إلى أسوأ مرحلة على الإطلاق.

علي عشال عضو مجلس النواب والحائز على جائزة مكافحة الفساد من قبل المنظمة الدولية للبرلمانيين ضد الفساد تطرق في حديثه إلى المؤسسات الرقابية الرسمية ودورها في مكافحة الفساد، منوهًا إلى حالة الشلل التام التي تعيشها هذه المؤسسات وهو ما شجع على استشراء الفساد وانتشاره في كافة مفاصل الدولة، مشيرًا إلى ما يعيشه مجلس النواب من توقف تام عن ممارسة مهامه الرقابية ومحاسبة المسؤولين المعنيين وذلك بذريعة المرحلة الاستثنائية التي تمر بها البلاد.

ويرى عشال أن توقف المؤسسات الرقابية عن مهامها شجع الفاسدين على القيام بعملهم بأريحية ووصل الحد ببعضهم إلى رفض التجاوب مع البرلمان اليمني في عدد من طلبات الاستجواب بل حتى لمجرد الرد على بعض الأسئلة التي تقدم بها برلمانيون للحصول على إجابات حول عدد من التجاوزات المشرعنة للفساد، مؤكدًا في سياق حديثه أن المهمة صعبة لأنها تواجه برفض شديد من قبل من يجدر بهم أن يكونوا في صدارة مواجهة الفساد ومكافحته.

وتركز حديث مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي حول أهمية وجود تحالفات وإقامة تشبيك بين منظمات المجتمع المدني والإعلام، والقطاع الخاص في سبيل مكافحة الفساد، وأكد نصر أن ذلك يشكل أهمية محورية خصوصًا مع انهيار المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد. وأضاف نصر بأن هناك تراجع شعبي وإعلامي في مواجهة الفساد، وإقصاء للمجتمع المدني من أي محاولة للمواجهة، وهو ما يدعونا إلى إعادة إحياء التحالف المدني لمكافحة الفساد الذي كان يرعاه البنك الدولي، بحسب قوله.

وخرجت الندوة بعدد من التوصيات أهمها، تحفيز الإرادة السياسية بشتى الطرق ومختلف الوسائل، للتشخيص المباشر لواقع الفساد، ومن ثم إعادة بناء استراتيجية جديدة لمكافحة الفساد واقعية وقابلة للتطبيق بالشراكة مع كل الجهات، مع الاهتمام والتركيز على المحليات ودعم وإحياء دور المؤسسات المحلية، إعادة إحياء وتشكيل التحالف المدني لمكافحة الفساد والذي كان قائمًا بدعم من البنك الدولي، إضافة إلى القيام بمبادرات لتشخيص منظومة الفساد، ووضع مسار عمل مرحلي للتأسيس عليه في جهود مكافحة الفساد، والتركيز مرحليًا على العمل القطاعي في مواجهة الفساد، والعمل على العمليات المتعلقة بمكافحة الفساد والتي تعزز وتصب في ذلك كمدخلات أساسية، لا تثير الآخر ولا تستفزه، كالعمل على الشفافية والحكم الرشيد وغيرها مما يجعل الحكومة تتعاطي مع تلك الجهود والمسارات، كذلك إمكانية بناء نظام النزتهة من أسفل لأعلى، والبدء من المجتمعات المحلية، وآخرها ضرورة تشكيل لجنة من جهات عدة حكومية وغير حكومية لرصد وتتبع الفساد الذي يمارسه الانقلابيون الحوثيون في كافة المرافق الخاضعة لسيطرتهم.

وتخللت الندوة عدد من المداخلات الرئيسية لممثلين عن جهات حكومية كالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والمحامي العام الأول في الجمهورية ووزارة التخطيط والتعاون الدولي، ومداخلات أخرى للحاضرين أثرت النقاش وتناولت واقع جهود مكافحة الفساد في اليمن والوسائل التي يمكن الاعتماد عليها لمواجهة تغلغل الفساد وانتشاره في المؤسسات الرسمية.

شارك:

المنظمة في الاعلام

© جميع الحقوق محفوظة لـ برلمانيون يمنيون ضد الفساد "يمن باك"
تطوير بواسطة Ibrahim Ismail